♦ خالد ممدوح الكردي *
نبذة عن البحث
كانت للجغرافية الطبيعية الأثر الكبير في تحديد طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السياسية بين الدولتين: العراق والكويت؛ فدولة العراق من أكبر دول المشرق العربي، تقع غربي آسيا، وتقدر مساحتها 437 ألف كيلومتر مربع، وتشترك العراق بحدودها مع ست دول، فيحدّها من الشمال تركيا، ومن الشرق إيران، ومن الجنوب الكويت، والمملكة العربية السعودية، وتحدّها سورية والأردن من ناحية الغرب ([1]).أما دولة الكويت فهي في الجانب الشمالي الغربي للخليج العربي الذي يحدّها من الشرق، أما من الجنوب والجنوب الغربي فتحدّها المملكة العربية السعودية، ويحدّها من الغرب والشمال الجمهورية العراقية، تقدّر مساحتها 18 ألف كيلومتر مربع، وتضم الكويت بعض الجزر منها وربة*، وبوبيان*، وفيلكا*، ومسكان*، وعوهة*، وأم النمل*، وكبر قاروة *، وأم المرادم ([2]).
- الخلفية التاريخية للأزمات السياسية بين العراق والكويت
شهدت العلاقات العراقية - الكويتية العديد من الأزمات السياسية، كانت أولها عام 1938، والثانية في العام 1961، أما الأزمة الثالثة ففي عام 1973، وخلال الأزمات الثلاث كانت العراق تطالب بضم الأراضي الكويتية إلى العراق، باعتبارها جزءًا تابعًا لولاية البصرة.
تاريخيًّا، كانت المحاولة الأولى في ضم الكويت للعراق، هي في عهد الملك غازي*، فقال في العام 1938، أمام بعض مرافقيه إن أولى أمنياته هي ضم الكويت إلى العراق، وخصص إذاعة قصر الزهور لتأييد ذلك، حيث استغل اتصال بعض المعارضين الكويتيين مع المسؤولين العراقيين، وشنّ هجومًا عنيفًا على نظام الحكم في الكويت، وعمل على إثارة عناصر المعارضة، والادعاء بأن الكويت "جوهرة الخليج الثمينة والميناء الطبيعي للعراق، وباتت مهددة بأخطار جسيمة وأنها كانت قائمقامية عثمانية ومقاطعة عراقية قبل نشوب الحرب العالمية الأولى" ([iii]).
وأيدت الصحف العراقية رغبة الملك غازي كصحيفة الاستقلال* التي دعت آل الصباح، التي أنشأت أمارة الكويت، إلى تلبية هذه الرغبة وذلك لمصلحتها، ومن ثم تحولت هذه الرغبة إلى مطالبة رسمية، عندما حدث اتصال رسمي عراقي مع الحكومة البريطانية، حول المسألة الكويتية بين توفيق السويدي* "وزير الخارجية العراقي" والسفير البريطاني لدى بغداد، وأشار السويدي إلى أن الاتفاق البريطاني العثماني عام 1913 أكد بأن الكويت لم تكن في أي وقت دولة مستقلة، وأنه بعد أن انتقلت السيادة على ولاية البصرة، فلا بدّ أن تشمل تلك السيادة الكويت ([iv]).
قوبلت الرغبة العراقية برفض الحكومة البريطانية، وأبلغت العراق أنها لن تقبل بمدّ السيادة العراقية إلى الكويت، ووجهت تحذيرًا إلى الحكومة العراقية من مغبة احتلال الكويت عسكريًّا، إلا أن تلك المرحلة فشلت، بسبب مقتل الملك غازي في 3 نيسان "أبريل" 1938م، وقيام الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول /سبتمبر 1939م ([v]).
واتسمت العلاقات الكويتية - العراقية خلال فترة الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين، بالهدوء النسبي والاحترام المتبادل، إلى أن قام الاتحاد الهاشمي في شباط/ فبراير 1958م*، بين العراق والأردن، وكان نوري السعيد* رئيس الحكومة العراقية آنذاك متحمسًا لضم الكويت إلى الاتحاد، يدفعه أمران أساسيان:
أ- تقديره أهمية انضمام الكويت، خاصة أن حكّامها لا يرتبطون بصلة القربى إلى الأسرة الهاشمية؛ مما يجعل قيام الاتحاد، أكثر تقبلًا في المنطقة العربية.
ب- إدراكه لأهمية الكويت الاقتصادية، وقدرتها على دعم الاتحاد، وسد العجز في ميزانيته؛ لذلك مضى نوري السعيد في محاولة إقناع بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، بالفوائد التي يمكن أن تتحقق من انضمام الكويت إلى الاتحاد العربي الهاشمي، منبهًا بأن ذلك الاتحاد من شأنه مقاومة التسلل الشيوعي في المنطقة العربية. وقدم اقتراحًا إلى الحكومة البريطانية يقضى بإعلانها استقلال إمارة الكويت حتى تكون مؤهلة بوضعها المستقل للانضمام إلى الاتحاد، كما عرض على الحكومة البريطانية في الوقت نفسه حفاظًا على مصالحها الاقتصادية واستثماراتها النفطية وارتباطاتها الدفاعية، أن تعقد مع الكويت معاهدة تمنحها جميع تلك المزايا التي تتمتع بها في الكويت قبل إعلانها لاستقلالها، وفي حالة عدم موافقة الحكومة البريطانية على ذلك فإنه يمكن الاكتفاء بانضمام الكويت إلى اللجنة الاقتصادية للاتحاد مقابل اعتراف الحكومة العراقية بالحدود القائمة ([vi]).
لكن الكويت رفضت ذلك، وأعلن الأمير عبد الله السالم الصباح* عدم استعداد بلاده للانضمام إلى محاور سياسية بين الأنظمة الملكية والجمهورية، مؤكدًا عدم وجود أي مكاسب تجنيها الكويت من ذلك ([vii]).
حاول نوري السعيد كسب ود الكويت، وإعلانه صداقة العراق للكويت واحترامه لسياسة حسن الجوار، من جانب آخر مارس العراق ضغوطًا على الحكومة البريطانية الحامية للكويت، فاقترح (نوري السعيد) على بريطانيا القبول باستقلال الكويت وضمها إلى الاتحاد الهاشمي، وأن تقوم الكويت بتقديم دعم مالي سنوي لنفقات الاتحاد في حال عدم الانضمام إليه ([viii]).
في 20 تموز/ يوليو 1958 عُقد اجتماع في لندن، بين المسؤولين العراقيين والبريطانيين، وأعدت الحكومة العراقية مشروع اتفاقيتين خاصتين بدعم الكويت للاتحاد الهاشمي، وانضمامها إلى ذلك الاتحاد كإمارة مستقلة محتفظة بشخصيتها وبنظام الحكم فيها وبعلمها الخاص في إقليمها، لكن لم يكتب لمشروع نوري السعيد النجاح؛ لمعارضة الكويت له من جهة، ولمقتله أثر قيام ثورة 14 تموز 1958* بالعراق ([ix]).
يتضح مما سبق: أن الحكومة العراقية طلبت استعادة الكويت بناء على اتفاقيات الدولة العثمانية لعام 1913، لكنها واجهت معارضة الحكومة البريطانية، باعتبارها الدولة الحامية للكويت، حيث نددت بمطالب رؤساء العراق منهم الملك غازي ونوري السعيد، وسعت جاهدة لمحاولة إفشال أي محاولة للعراق لضم الكويت، وذلك خوفًا من السيطرة العراقية عليها؛ لأن ذلك سيؤثر سلبًا على مصالحها، خاصة روافد البترول المكتشفة حديثًا في الكويت عند منطقة الحدود العراقية - الكويتية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق