♦ أحمد قران الزهراني*
أنا ابن هذا الوقتِ،
في عينيَّ متكأٌ،
وفي كفيَّ أغنيةُ الحصارِ على مقامِ الرقصِ،
لا بحرٌ هلاميٌّ يضمُّ سفينتي،
والليلُ يخفي رغبتي في الانزياحِ إلى ملاذٍ آمنٍ،
في البردِ أدفأ بالغناءِ،
وفي المقامِ أرتّلُ التغريبةَ الأولى،
وأسجدُ في فناءِ الآخرِ المنسيّ،
يكلؤني نشيدُ المبعدين عن الغوايةِ،
لا مزارٌ يشتهيني حينما لا أتقنُ الصمتَ المقدسَ،
لا أرى في البعدِ وجهاً عالقاً في شرفةِ الرؤيا،
ولا يقتاتُ من وجعي سِواي.
***
لا شيءَ يمنعني عن الترحالِ،
كلُّ مفازةٍ بابٌ إلى تغريبةِ أخرى،
فعذْ بي من قِراءاتِ الغيابِ،
ولا تعاتبني عن النسيانِ،
واتركْ ما يقول الآخرون،
الماءُ كان بحوزتي،
لكنَّ ظلا في تفاصيلي تماثلَ لي فأوغلَ فيَّ واستسقى ضميري،
قلتُ خذْ ما ينبغي لك من رذاذِ الماءِ،
واتركْ بعضَه للطيرِ حتى ينجلي قيظُ الظهيرةِ عن رواحِلِنا،
فنذهبُ في السرابِ،
فلا يشدُّ وثاقَنَا إلا غروبُ الشمسِ في وضحِ النهارِ،
ولا يقايضُنا سوى حزنِ الغريبِ على طفولتِه،
فكنْ أنت الذي يتسلّقُ الأضواءَ حتى نعبرَ الشفقَ الموازي للمدينة.
***
أُصغي إلى صوتٍ خفيٍّ،
ليس يعنيني مداهُ الآن،
حتى ينجلي غبشُ الحكايةِ،
ربما صوتُ القوافلِ يعبرُ الكلماتِ،
لا تسعى إلى إخفاءِ خطوِكَ عن مسارِ الغيمِ،
هذي الأرضُ منحتُك العتيقةُ،
فانتبذْ فيما تشاءُ من الجهاتِ،
فلن يضيرَكَ طيفُ من ساروا إلى رغباتِهم،
كنْ أنت وحْدَكَ،
لا تُشابهْ من يعيد كتابةَ الأفعالِ دون توافقِ المعنى،
سأمكثُ في رحابِ خريطةِ العهدِ القديمِ،
وأصطفي بعضَ الحواريين كيْ ننسى مآتمَنَا،
فإنَّ الحبَّ وردٌ لا يكِلُّ عن العطاءِ،
الحبُّ لونٌ أبيضُ الأوراقِ،
موسيقى التماثلِ بين ركنيّ المجازِ،
فلا تؤطرْ ما وهبتَ،
ولا تعُدْ إلا وأنت محملٌ بالياسمين،
وكنْ رسولاً مخلصاً حتى تبلّغَ ما يصحّ من الحديثِ عن الروايةِ والرواة.
***
منفاي آخر ما تبقى في وثيقة رحلتي،
حمَّلْتُ قافلتي مُريدي كي يُخَفّفَ وطْءَ ما نلقاهُ من رهقِ الطريقِ،
عصاً لتَحميَني من العثراتِ،
صورةَ أمِّنَا حواءَ في مُتَخَيّلِ العرّافِ،
سِرَّ تمردِ الأنثى على عُرفِ القبيلةِ،
قولها لحبيبها: " كنْ أولَّ الفرسانِ،
لن ترتدّ مكلوما،
فلا تتركْ مقامَك عارياً"،
خطين لا متوازيين لموطنٍ لم يكتملْ في لوحةِ التشكيلِ،
لم أنسْ المسافةَ بين قلبي عاشقينِ تعللا بالبعدِ،
منفاي الأخيرُ ملامحي،
فأنا ابن هذا الوقتِ،
في تغريبتي الأولى سِجلِّي في كتابِ الغيبِ،
وجهُ مُريدتي في المعبدِ المسكونِ بالأرواحِ،
في تغريبتي الأخرى مزاري،
خلوتي في اليَمِّ،
أسمائي الغريبةُ في حساباتي،
بلا نفيٍّ ولا إثبات.