♦ محمد حسين حسين *
نبذة عن البحث
إن العديد من الفنانين، وفي مراحل فنية متلاحقة، تركوا أعمالاً فنية كانت عرضة لتساؤلات عن مغزى الفن وغايته؛ فاختلفت الآراء وتعدّدت المفاهيم وكثرت التحليلات للتوصل إلى فهم ماهية الفن، الذي أجمع مجمل الناقدين والباحثين إلى خلاصة لُخصت بترجمة الرؤى التعبيرية عند الفنان إلى انتاج تشكيلي ينقله إلى المتذوق لقراءته وفهم ماهيته. ويبقى الإبداع الفني الذي يصل إليه الفنان هو الوحيد الذي يستطيع ترجمة هذه الرؤى وإيصالها إلى المتلقي. وهنا يأتي دور المادة، والمقصود بالمادة هنا كل الوسائل المتاحة للفنان لنقل هواجسه الفنية، التي هي بدورها موضع اهتمام، فهي التي تساعد على تحقيق الهدف ماديًا.
يتجه بعض الفنانين إلى النحت كمحاولة لتجسيد الأفكار، أو إلى التصوير واللون، فلا بدّ للفنان من أن يتابع بدقة خصائص الخامة وإمكانياتها كي يطوّعها لتجسيد فكرته ومعالجة مواضيعه، واستعمالها لإدراك التعبير عند المشاهد. وهو في الوقت نفسه، يبحث عن السهولة في المعالجة من خلال فهم خصائص المواد وتركيباتها، فتتكثّف عنده التجارب لتعطيه خبرة وحنكة في صقل فنّه وامكاناته. والغاية من ذلك تحديد قيم فنية تشكيلية جديدة يكون لها الدور الفاعل في تشكيل محتوى العمل الفني، ويستطيع من خلالها أن يستغل الخصائص المختلفة للخامات المتنوعة وفق احتياجاته.
في فترات لاحقة وبخاصة في الفن المعاصر، تعدّدت التجارب الفنية، وتخطّت حدود المواد المتعارف عليها، لتشمل وسائل يعدّها الفنان وسيلة يظهر من خلالها ابداعاته في تشكيل العمل الفني. وهذا ما بدأت به المدرسة الدادئية ولاسيما على يد الفنان الفرنسي (مارسيل دوشامب – Marcel Duchamp)، ومن بعده حتى زمننا المعاصر.
ولما كانت التجربة هي التي تتيح للفنان الوصول إلى أهدافه التشكيلية والفكرية، كان عليه أن يتخطى الأبعاد الأكاديمية والبحث عن حلول تشكيلية أخرى، ولو غير مألوفة، لإلغاء الحدود بين العمل الفني والفراغ (espace)، بخصوصية وذاتية ينفرد فيها بالأسلوب والتقنية، عبر الجمع أحياناً بين أكثر من أسلوب وتقنية، وتكون مادته البنائية مستعارة من مواد متنوعة من الطبيعة والأشياء المحيطة بها. ومنذ مطلع هذا القرن أصبح من العسير جداً تمييز اتجاهات الفنانين بأعمالهم، خصوصًا أن الفنان قد يبدأ بمدرسة ثم يتحوّل إلى أخرى، وخير مثال على ذلك بابلو بيكاسو الذي تزعم أغلب المدارس الفنية الحديثة والمعاصرة.
وبما أن العمل الفني هو حالة قائمة على التعبير، فالخامات كلها تكون دافعاً للبحث عن الإبداع في تقديم كل ما هو جديد للمشاهد. فهل استطاع الفنان في لبنان أن يصل، من خلال التوليف بين الخامات والمزج بين الأساليب، إلى خلق منظومة خاصة مقبولة لدى المتلقي؟ وهل استطاع خلق أسلوب خاص به؟ ما يسوف إلى الأسئلة المتفرعة الآتية:
ما هي مقومات العمل الفني ليصبح مقبولاً في نظر المتلقي؟
كيف يمكن توظيف التقنية في خدمة العمل الفني؟
ما مدى تأثير المادة على التكوين الفني وأثرها على المتلقي؟
(...)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق