Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

مراجعات: للقهوة وقت نركنه في الزاوية لأحمد بزون: تحدي لعبة التنسيقات لصالح الدلالة

هدى عيد و أحمد بزون - مجلة الحداثة

هدى عيد *


مداخلتي هذه هي قراءة متواضعة لديوان الشاعر أحمد بزون: "للقهوة وقتٌ نركنه في الزّاوية". هي قراءة مني أنا الواقفةُ على أبواب الشعر لا أجرؤُ على وُلوجِها، على الرغم من ادعاء الكثيرين في هذه الأيام فعلَ ذلك. فأنا من جيلٍ تربّى على تذوّقِ الشعر، وعلى تبجيله وعلى استطعام نكهاته المتنوعة، وأدْرَكَ بالتالي امتيازَه ومقدرته على الاختلاف، وآمنَ أنّ في كتابة الشعر شيئاً من قداسة، أو ربما بعضاً من وحيٍ... يُوحى! موهبة متفردة على القول وعلى إخراج الكلمات (من ليلها العميق) كما يقول أدونيس، وإعادة توظيفها مبدعةً جديدة مدهشة، متبلورةً في سياقات جديدة، وفي مناخات مشرقةٍ لم تطأها من قبل!
لذلك تهيبتُ دائماً ادعاءَ هذه المقدرة، لكني في المقابل، أفرحُ بتذوقي نَكهاتِ الشعر المتعددة، وأغبطُ من يمتلكُ القدرةَ الحقيقيةَ على اقترافِ هذه المعصيةِ الجميلة، وآملُ خيراً من كل هذا الحِراك الشعريّ الذي يتوالى في الآونة الأخيرة عساهُ يُؤتي ثمارَه في إحياء اللغة، وفي إعادة اجتذاب الجيل الجديد إليها، متيقنةً أنْ لا بدّ لكلّ هذا المَدّ من أن يحملَ إلينا في النهاية لؤلؤاً ومحَاراً يهدهدُه بين أمواجِه العاليات... فلطالما كان الشعراء رّواداً في تجديد اللغة وفي تحديثها، ولطالما كان الشاعر "أبا اللغةِ وأمَّها... والوسيلةُ الوحيدةُ لإحياء اللغة إنما هي في قلبِه، وعلى شفتيه وبين أصابعه"... والقول لجبران خليل جبران.
هذا الشاعر الذي بات يتعرضُ لعنف المجتمع الخارجي العاملِ في أيامنا هذه على تشييء المثقف وعلى إلغائه، بل ربما على امتلاكِه، حين تدفعه سلطةُ المجتمع أحياناً إلى تبني رؤيتها وتسويقها، إلاّ من كان منهم حرّاً ورَسولياً وقادراً على الخلق الحقيقي... وعلى التجديد.
لذلك أفهم كيف يختارُ الشاعرُ، شاعرُنا أحمد بزون، اللغةَ أداةً لردّ الحرب عنه، ولإعادةِ تشكيلِ مجتمعِهِ اللصيق بالطريقة التي يبغي.
وما دام الواقع يقول لنا باستمرار أنْ لا شيءَ ثابتٌ سوى التحوّلِ وعدمِ الثبات، إذاً نستبيحُ لأنفسنا الفهمَ الذي انطلقنا منه في قراءة هذا الديوان، مستجيبين لدعوة عنوانه: "للقهوة وقتٌ نركنه في الزواية"، فهو وقت يحيلُ إلى الحميمية، وإلى الاطمئنان، لكنه قد يحيلنا كذلك إلى انتهاء زمن الهَدأة، والسلام واستحالته – أي هذا الزمن - نوعاً من الترف المركونِ في الزاوية ما عدنا نمتلكُ القدرةَ على العودة إليه، ونحن نحيا واقعاً جديداً لاهثاً مغتَصباً في غالب الأحيان.
هكذا تغادرُ الشعريةُ عندَ أحمد بزّون، في ديوانه هذا، المعتادَ الشائعَ في القصائد.
فالشاعرُ يستخدمُ قاموساً لغوياً نكادُ نألفُه في حياتِنا اليوميةِ، إلاّ أنه يتقنُ من خلالِه توليدَ الدهشةِ بالعلائقِ التي ينشئُها بينَ العناصرِ اللغويةِ، وبخلقِه صُوراً تنتِجُ في السياق الذي تنتظمُ عبرَه دلالاتٍ مكثفةً:
"الخمرةُ تفيضُ على شفتيَّ
دمي يرتفعُ في قصب الرغبة
يجري بيننا نهرُ فراشاتٍ
كلما لمستكِ تبددت عتمةٌ...
الأقحوانُ الذي تفتحَ بين قدميك..."
فهو يتكىءُ على هذه الصور لتكثيف الدلالات، ولتعدّد الإيحاءات، لتميّز مجتمعةً البناءَ اللغويّ الشعريَّ المعاصرَ الذي يتبناهُ في نصِّه المندرجِ في خانة الحداثة الشعرية.
يتحدّى الشاعرِ لعبةَ التّنسيقاتِ الصوتيةِ، والهندسةِ الإيقاعية في كثيرٍ من هذا النص لصالح الدلالة، بحيثُ يبدو الديوانُ تحدياً - بالقولِ الفنيِّ - لعنفِ الدنيا الخارجيّ الذي يُمارَس على الإنسان/ الذكر في مجتمعنا المعاصر... إذ تسلبُه هذه الأخيرةُ أخاً شهيداً، لكنما اسمُه ينامُ في حنجرة الشاعر لا يبارحُ، وتستحيلُ "المرايا سوداً" بموت الأخ، فيسقط الرجل خاوياً "سقطتُ معطفاً فارغاً" يتبدد صوتُه نثاراً، يبحثُ عن جمعٍ له في أحضانِ امرأةٍ تحميه من كلِّ الخارجِ الطفيليِّ الذي يَرضعُ "دمَنا بلا شفقة"، ومن كل الخوف "يعلّقُنا من أشداقِنا المفتوحة".
لا شيءَ ينتشلُ الشاعرَ من وحشةِ الغربةِ في الشارعِ والمقهى، والمنزل، من وحشةِ هذا العالم الذي يحاولُ تجاوزَه واحتواءَه دائماً، لكنه ينفجرُ طوال الوقت، حارماً الإنسانَ هدأةَ السكونِ:
"أخبّىءُ العالمَ في جيبي...
فينفجرُ على الشاشة..."
لذلك يتفجرُ بالمقابلِ هذا الشوقُ الذي لا يُهادن حيالَ المرأة/ الأنثى:
"عندما أرخي ذراعيَّ أنسى أنكِ أتيتِ!
فأنتظرُ على المقعدِ موعداً آخر!...
فأنا شريدُ أحلامي الطائشة
لا أستفيقُ إلاّ... على جسد!"
لأن اليقظةَ العاديةَ تستعيدُ مجدداً الدمارَ، النارَ، وَحْلَ البراكين، القتلَ والكُفران. اليقظةُ ألمٌ يحملُ قلقَ السؤالِ عن المصير:
"الناسُ ينبتون كفِطر...
وأيُّ عتمةٍ... تبتلعُهم!؟
خفتُ، حاولتُ أن أخبّىءَ عقلي تحتَ المخدة..."
لذلك تتوهجُ الأنثى/الجسد التي تشحنُ كهوفَ الشاعرِ بالطاقة مجدداً كي تعودَ للحياة حياتُها وتجعله:
"أتوهّجُ لأضيءَ المدينةَ كلها"، فتضيعُ نفسُه في غابِ الغرائزِ الأولى، وتضجُّ القصائدُ بالشبقِ، بصليلِ الرغباتِ الأصفى، بالوجعِ اللذيذِ النابضِ بينَه وبين الأنثى، بهذا الدوارِ القادرِ على اجتذابِ الكلِّ حولَه، والمولّدِ أعراساً في عينيْ المرأة المَبْغَى... هي المرأة/ الجمال، في الديوان والحضن الأمان، يتولّدُ من الالتحام بينهما التكوينُ الجَدلي: جدليةُ الحياة/ الموت –الأخذ/ العطاء- السكينة/ الخوف- الخوف/ السكينة.
ولئن كانت المرأة في قصائد أحمد بزون كائناً صامتاً، لا نصغي لصوتِها (ولي عتبٌ لذلك عليه)، فإنّا نصغي لرَجعِه فقط؛ فامرأة بزون تقدمُ الجمال / الفتنة، فيشتعلُ رجلها رغبة ًوتحليقاً، يكادُ يصلُ معه حدَّ الطيران، لتتسعَ الحقولُ عندَها، وتخضرَّ الحدائقُ، ويستحيلَ كلاهما مكوّنين جميلين في لوحةٍ:
"لو تعلمينَ كيف صلّبتِ الحَماوةُ ريشتي الآن
أفسحي... لأغطَّها بألوانكِ قليلاً
أو كثيراً...
كي أكملَ... لوحةَ العمر"
الحبُّ عند أحمد بزّون حالةٌ من التجاوزِ الدائمِ، تجاوزٍ للواقعِ/الموت، يستحيلُ عبر فعل الحب الواقعَ/ الحياة:
"هم أشعلوا ناراً في الأرضِ وفي السماء
وفي الكراسي التي جلسْنا عليها
كلُّ انفجارٍ يقتلُ ألفَ حبٍّ بيننا"
هكذا نفهمُ هذا الشوق العارم الذي لا ارتواءَ له، وندركُ كيف أنّ مِنْ تحدّي الشاعر العبثيِّ للموتِ يتوالدُ شبقٌ لا يرتوي إلى المرأةِ الأنثى، يقول:
أخذتُ دروساً كثيرةً في الحبّ
لكنّني كلَّ مرةٍ أتهجّى النّساءَ
كأنّني بلا... ذاكرة...!".

***

* باحثة وروائية من لبنان

** ألقيت هذه الورقة في ندوة تناولت ديوان الشاعر أحمد بزون: "للقهوة وقتٌ نركنه في الزّاوية" (مؤسسة الانتشار العربي – 2015)، في منتدى "ليل وحكي" في الحدث (لبنان)- 16 أيار 2016.


مجلة الحداثة - خريف 2016 - عدد 179/ 182

ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (975) أبحاث في الأدب واللغة (349) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (179) أبحاث في الفنون (167) أبحاث في التاريخ (123) أبحاث في التربية والتعليم (108) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (77) أبحاث في علم النفس (61) مراجعات (59) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) افتتاحية الأعداد (36) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (34) شتاء 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) أبحاث في الإعلام (31) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (23) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) نوافذ (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) أبحاث في القانون (19) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) أبحاث في العلوم والصحة (15) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة