♦ محمد حسين حسين *
نبذة عن البحث
إذا كان الفن على مرّ التاريخ هو تلك الحالة الفاعلة في صياغة الثقافة الإنسانية، فقد كان قد خضع إلى عدة تغيرات وتطورات في مفاهيمه، بل أحيانًا في الكيان، وتبدلت عبر العصور المفاهيم النفسية والجمالية للفن، وانكب العديد من الباحثين والمفكرين على دراسة المحتوى الثقافي والجمالي للأعمال الفنية، وبخاصة الفنون البصرية. فلم يعد الفن عبارة عن نقل أو محاكاة للطبيعة، بل تخطاه ليصبح عملا قائما على الخبرة الجمالية التي تخاطب المتلقي بلغة رمزية تستخدم الحالات الثقافية والاجتماعية التي تمثل العصر، ولا نبالغ بالقول إنها تعدتها للولوج في المعتقدات الدينية.
إن الارتباط بين العقيدة الدينية والرسم الكنسي، في القرون الوسطى، يثبت أن صنع ورسم الأيقونة ليس عملاً فرديًا إنما هو عمل جَماعي كنسي. وهو عمل إيماني تابع للعقيدة المسيحية، حيث يصور الإيمان الشامل للكنيسة.
لقد جرى العُرف أن رسم الأيقونة هو بمثابة انتقال إلى عالم النور اللاهوتي القائم على الإيمان بالكنيسة. لذا فإن الأيقونة كانت تُعدّ مرحلة انتقال من الواقع المحسوس إلى السرّ الإلهي المرتبط بالتعاليم اللاهوتية.
وبعد التطور الذي لحق بالأيقونة من حيث الصنع والرسم والمواضيع، وانتقالها من عمل كنسي جماعي إلى الانتاج الفردي، ذهب البعض بالرأي إلى أن الفنان التشكيلي الذي يعالج موضوعات دينية يعبر فقط عمّا يجول في خاطره وذاكرته، وفي بعض الأحيان بعض التعاليم الموروثة، لكن في قالب فني مستخدمًا الامكانيات والخامات المادية، ما يبعده عن مستوى القداسة والعبادة.
أما رسّام الأيقونة بالمفهوم اللاهوتي، فهو يقوم كمن يكون بحالة صلاة وخشوع أمام المذبح، وبالتالي يجب أن يكون كل كيانه في خدمة الله، "ومثل الكاهن لا ينبغى أن يفرض شخصيته أو يستخدم فنه كوسيلة ليعبر عن فرديته. رسم الأيقونة هو دياكونية (خدمة كنسية) تتطلب من الخادم أن يتقدس. إن رسالة وخدمة الرسام تتشابه مع رسالة وخدمة الكاهن: الواحد يقدس لإظهار جسد المسيح ودمه والآخر يصوّره"[i].
هل الفن بمحاكاته للطبيعة وتمثيله لمظاهر الحياة هو بعيد من المفاهيم التعبيرية الدينية أم هو تجسيد للأقكار والجوهر؟ وهل استطاع الفنان نقل المفاهيم المقدسة للأيقونة إلى المفاهيم الفنية التي تخضع لشروط التشكيل المرئي؟
(...)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق