Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

الافتتاحية: ذكاء اصطناعي أم "سرير بروكرست"!

د. كامل فرحان صالح - مجلة الحداثة

كامل فرحان صالح *
Editorial: Artificial Intelligence or “Procrustean Bed”!
- DR. Kamel Farhan Saleh

يُشير مصطلح "سرير بروكرست"* (Procrustean bed)، أو "البروكرستية" (Procrusteanism)، إلى نزعة "فرض القوالب" على الأشخاص، أو الأشياء، أو النصوص… أو تشويه الحقائق وتلفيقها كي تنسجم قسرًا مع مخططٍ ذهني مسبق. إنه القولبة الجبريّة، والتطابق المُتعسف.
فهل نحن مع الذكاء الاصطناعي أمام "سرير بروكرست"؟
يمكن القول، إن الحديث عن تعريف اصطلاحي محدد وواضح ونهائي لمصطلح الذكاء الاصطناعي، لا يجوز على مستوى الدرس الأكاديمي، كون هذا الأمر لا يزال مفتوحًا على مصرعيه، فإن كان الإنسان ينام على فهم حدٍّ ما لهذا المصطلح، فإنه يصحو على حدود غير نهائية، فنحن – وأقصد بنحن – البشريّة جمعاء، نعيش في كل يوم، بل في كل دقيقة ولحظة، قفزات هائلة على مستوى العالم الموازي، أو ما بات يعرف بالعالم الافتراضي، فلم يعد هذا الإنسان يستطيع أن يعيها، وأن يلحق بها، أو في أحسن الأحوال، أن يضع مسودة أوليّة لتفسيرها.
إن ما يمكن أن يفعله الإنسان الذي كسر قفل "صندوق بندورا"،** من دون أن يعلم إلى أين ستقوده هذه الخطوة، هو طرح أسئلة وفرضيات. لكن كارثة "سيزيف"***، تتجلّى هنا مجددًا؛ في كون "صخرة" الأسئلة والفرضيات، لا تجد أجوبتها ونتائجها، ففي كل مرة يصل فيها الإنسان إلى ما يعتقد أنه واحة من الطمأنينة، يجد نفسه أنه غارق أكثر فأكثر، في القلق والحيرة والارتباك والتعاسة.
قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا على غير مستوى من المستويات العلميّة والطبيّة والفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة... لكن هل ذكاء الإنسان بات عاجزًا عن فعل ذلك، وهو الذي تمكّن من إنقاذ الإنسان من أخطار العبور على هذا الأرض منذ ملايين السنوات؟
هل بات ذكاء الإنسان الذي أنتج عبر تواجده على هذه الأرض، ملايين الأعمال الإبداعية، والنظريات، والأبحاث، والدراسات، والتقنيات، والحرفيات... عاجزًا كي يرمي كل ذلك على عاتق الذكاء الاصطناعي؟
هل نحن أمام ذكاء اصطناعي، أم إعلان موت الإنسان بعدما بعثرت العولمة وما بعد الحداثة، هويته وتاريخه وتراثه وسلوكياته وخصائصه التي جعلت من هذه الأرض غنيّة بالتنوع، والتباينات، والثقافات، والحضارات؟
صحيح أنه لا يجوز أن نضع كل ما فعله الإنسان وذكاؤه منذ ملايين السنوات، على هذه الأرض، في باب الخير الصافي، فهذا الإنسان كان ولا يزال، ماهرًا في صناعة القتل والتدمير والتخريب، والتلوث، وتوليد الأوبئة، والأمراض، والكوارث... لكن، وعلى الرغم من ذلك، حافظ إلى حدّ ما على ما يبقيه إنسانًا؛ يحبّ ويشعر ويضحك ويبكي ويغضب ويتألم ويفرح... أما في حالتنا الراهنة، فلا أحد منّا، يدرك ماذا سيحدث بعد أن بات هذا الإنسان يرمي أحماله رويدًا رويدًا، على ما يسمّى بالذكاء الاصطناعي؟
إن هذا التسليم الكلّي للذكاء الاصطناعي، ألا ينافي الفطرة الإنسانية التي تغذّت عبر ملايين السنوات، من فلسفة صراع الوجود والبقاء؟
لم يعد خافيًا إن عشرات العلماء والباحثين يطلقون على التوالي، التحذيرات المتتالية من أخطار المضي قدمًا في بسط أيدي الذكاء الاصطناعي، وجعله لا يتحكّم بنا فحسب، بل جعله يخلق مصيرنا ونهايتنا أيضًا، ويصبح حالنا كحال الذي نام على "سرير بروكست"، فيربطه بإحكام، ويشدُّ رجليه إن كان قصيرًا ليمطّهما إلى حافة السرير، أو يبترهما بترًا إن كان طويلًا، حتى ينطبق تمامًا مع طول السرير.
في الخلاصة، لا بدّ من طرح السؤال الأخير: هل القيامة التي تلحظها الأديان والأساطير والحكايات الشعبية، ويؤمن بحدوثها، معظم سكان الأرض، ستكون بفعل الإله - الإنسان الجديد، الخارج من خلطة التقنيات لا التراب؟

***

* باحث وشاعر وروائي لبناني. أستاذ دكتور في الجامعة اللبنانية

** حكاية بروكرست أو سرير بروكرست: حكاية من الميثولوجيا الإغريقية. تدور أحداثها حول شخص يدعى بروكرست عاش في أتيكا، وكان يتمتع بأسلوب خاص في التعامل مع ضيوفه أي ضحاياه؛ إذ كان يستدرج ضحيّته فيقدم له العشاء وسريره الحديدي الشخصي للنوم، فهذا السرير - بحسب بروكرست - لا شبيه له بين الأسِرة، إذ كان يتميز بميزةٍ عجيبة: هي أن طوله يلائم دائمًا مقاس النائم عليه، أيًّا كان. لكن بروكرست لم يكن يشرح لضيفه كيف لسريره أن يكون على مقاس الجميع على اختلاف أطوالهم. كان عمل بروكرست يبدأ بعد أن ينام الضيف الضحية على السرير، فيربطه بإحكام ويشدُّ رجليه إن كان قصيرًا ليمطهما إلى الحافة، أو يبترهما بترًا إن كان طويلًا؛ حتى ينطبق تمامًا مع طول السرير. وظل هذا دأبه إلى أن لقِيَ جزاءه على يد البطل الإغريقي ثيسيوس الذي وضعه على السرير ذاته، وقطع رقبتَه لينسجم مع طول سريره.

** صندوق بندورا: حكاية في الميثولوجيا الإغريقية. هو صندوق حُمل بواسطة باندورا يتضمن كل شرور البشريّة من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة ورجاء... وبندورا التي تعني "المرأة التي منحت كل شيء"، هي أول امرأة يونانية وجدت على الأرض طبقًا للعقيدة اليونانية، وقد خلقت بأمر من زيوس، وتم خلقها بحسب الأسطورة، من الماء والتراب، ومنحت العديد من المزايا مثل: الجمال والإقناع وعزف الموسيقى.

*** سيزيف: أحد أكثر الشخصيات مكرًا في الميثولوجيا الإغريقية، إذ استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس، مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد. أصبح سيزيف رمزًا للعذاب الأبدي.

الحداثة (Al Hadatha) – مج. 31 - ع. 232– صيف 2024 SUMMER
ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة