كيفية تطور الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمرأة اللبنانية مع تطور تاريخ لبنان


وجيه حيدر *


How the social, political and economic conditions of Lebanese women develop with the development of Lebanon’s history 
- Dr. Wajih Haider *


مستخلص - Abstract

تُعد المرأة جزءًا لا ينفصل بأي حال من الأحوال من كيان المجتمع الكُليّ، كما أنها مكوّن رئيس للمجتمع، بل تتعدّى ذلك لتكون الأهم بين كلّ المكونات. خلق الله تعالى الجنسين الذكر والأنثى ليُكمل كلّ منهما الآخر حيث وفّر لهما كل الأدوات والأساليب الممكنة لإنماء الحياة ونهضتها على الأرض. جاءت الأديان السماوية لتُنظّم علاقاتهما وتدفعهما لبذل أقصى الجهود لتحقيق غاية الله الذي خلق الإنسان لأجلها.
يُعدّ دور المرأة في المجتمع كبيرًا جدًا، وذا أثر بالغ الوضوح، كما أنّه دورٌ حساسٌ جدًا، وأن تحييد دورها وابتذالها واستغلال قدراتها بشكل يفوق قدرتها واستنزافها، يقود لضياع المجتمعات وتشتّتها، وهدم الأسر وتقويض بنائها. شغلت المرأة عبر العصور أدوارًا مهمّة، وكانت فاعلة ونشيطة في وضع القوانين والسياسات، وفي تسيير حركة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أشاد المصريون العظماء بفضل العمل الإنساني، وعدّوه فضيلة إنسانية، من هذا المنطلق، حرصوا على اشراك المرأة في تحمل أعباء ومسؤوليات الحياة على قدم المساواة مع الرجل، ودلّت النصوص التاريخية في مصر القديمة، على أن المرأة قديمًا زاولت التجارة إلى جانب الزراعة، وكانت نشيطة وفاعلة في هذا المضمار، كما استحدثت مصانع وورش صناعة الملابس والأدوية التابعة للدولة([i]). أما الكونفوشيوسية التي ترى أن استقرار المجتمع واستمراره يتم من خلال نظام أسري متماسك، فتلعب فيه المرأة دورًا مهمًا ورئيسًا من شأنه أن يساعد على قيام نظام سياسي يكفل الحرية والمساواة، ويحقق العدالة بين أفراد المجتمع، كما أنها دعت إلى تزويد أفراد الأسرة، ومنهم المرأة بالعلوم والمعارف الإنسانية، إلا أنها حددت دور المرأة بالعمل على استمرار الأسرة واستقرارها فقط([ii]).
أما نظرية أفلاطون حول المرأة فقد قامت على مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وجميع الإلتزامات المدنية، وتقلد الوظائف العامة، معتمدًا في ذلك على مقولة أساسية تتمثل في أنه لا فرق بين المرأة والرجل، وان وجد فإنّه لا يكون جوهريًّا، لكنه اختلاف عرضي يرتبط بأداء الوظيفة الجنسية، لذلك يجب على الدولة أن تسوي بينهما في الحقوق والواجبات وتقاليد الوظائف، ويمكن أن يتقلد كل منهما الحكم إذا كان كفوءًا لذلك([iii]). في روما كانت عمليات تصنيع المواد الغذائية، والملابس والغزل والنسيج وحياكة السجاد حكرًا على النساء اللواتي زاولنَها في ورشات ومصانع خاصة، كذلك مارست المرأة التجارة، وعملت جنبًا إلى جنب مع الرجل في مناجم الذهب والفضة([iv]). كانت المرأة قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية تعيش ضمن القبائل التي كان لا حصر لها، حيث اختلف وضع المرأة ودورها من قبيلة إلى أخرى، غير أن التاريخ أثبت أن الغالبية العظمى من القبائل العربية، كانت تسوي بين رجالها ونسائها في كثير من الحقوق والواجبات، كما زاولت بعض الفنون والصناعات السائدة في ذاك العصر، كذلك برزت منهن الشاعرات كالخنساء التي تصدّرت معلقاتها أسواق عكاظ، وحكًمت شعر أعتى الشعراء، وكانت منهن المقاتلات، والمحترفات لفن القيافة، ومنهن التاجرات وصاحبات الثراء كالسيدة خديجة وهند، ومنهن من صنع التاريخ العربي القديم كملكة سبأ([v]).
في العصور الوسطى التي تعدّ من أشد العصور جاهلية وظلمًا، فإن المرأة مع ذلك لم تحرم من ممارسة العمل إبانها على الرغم من أنها لم تحط بالمساواة التامة مع الرجل، فإن وضعها يُعدّ نسبيًا أفضل من العصور السابقة، واللاحقة لتلك المرحلة([vi]). بمجيء الإسلام استطاعت المرأة الحصول على حقوقها المدنية والاجتماعية، فكرمها وساواها بالرجل، فكل منهما يكمل الثاني، وللاعتراف بها سمح لها الاحتكاك بالعلماء، وتعلم مختلف تعاليم دينها، من فقه وقرآن وسنة نبوية، وما ساعد على إثبات وجودها هو مشاركتها في الدعوة إلى الدين الاسلامي كما ورد في الآية الكريمة ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون على المنكر﴾([vii]).
وشاركت المرأة في الفتوحات الاسلامية كمقاتلة وممرضة، مما مهّد لها الدخول إلى سوق العمل، وجعل لها حقًا في الميراث، وأن تتصرف بما تملك كالرجل تمامًا، بحيث لم يفرق بينهما كما ورد في الآية الكريمة: ﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾([viii]).

- الكلمات المفتاحية: المرأة اللبنانية، تاريخ لبنان، دور المرأة

- Keywords: Lebanese women, Lebanese history, women’s role

***

* باحث لبناني - دكتوراه في التاريخ في الجامعة اللبنانية

* Lebanese researcher - PhD in History at the Lebanese University

[i]-45 p: 1968Evelyne Sullerot: Histoire et sociologie du travail Féminine, E Gonthier paris

[ii]- مصطفى الخشاب: "دراسات في الاجتماع العائلي"، دار النهضة العربية، بيروت 1981، ص: 133
[iii]- هيفاء الكبرة: "المرأة والتحولات الاقتصادية والاجتماعية"، دراسة ميدانية لواقع المرأة العاملة في سوريا، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، 1987، ص: 30
[iv]- 50 :Evelyne sullerot: op. cit.p
[v]- مصطفى الخشاب: مرجع سابق، ص: 142
[vi]- 55 :Evelyne sullerot: op. cit.p
[vii]- سورة التوبة، الآية (71)
[viii]- سورة النساء، الآية (32)

الحداثة (Al Hadatha) – ع. 193/194 - س. 25 - صيف Summer 2018

ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ترحب مجلة الحداثة بالتعقيبات أو التصويبات أو التعليقات على ما ينشر فيها من أبحاث ودراسات، وتنشرها بحسب ورودها.
Al-Hadatha Journal welcomes any comments, corrections, or comments on the research and studies published in it, and publishes them as they are received.