Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

الافتتاحية: أمير الحداثة الشعرية في السعودية !

د. كامل فرحان صالح - مجلة الحداثة kamel farhan saleh


كامل فرحان صالح *


لا يمكن عدّ وجود الشّاعر السّوري – اللبناني أدونيس في المملكة العربية السّعوديّة، خبرًا عاديًا، أو يمكن المرور عليه مرور الكرام.
قد يرى الكثيرون أن التوجهات الجديدة التي بدأت تسلكها المملكة مؤخرًا، هي أهم بكثير من زيارة شاعر إليها، وقيامه بجولة في بعض مناطقها، ولقاء مثقفيها ومفكريها.
في المبدأ، إن هذا الرأي صحيح، لكن ما يمكن عدّه "مختلفًا" هنا، بل عدّه – إذا صحّ التعبير – أيقونة المسار، هو المضي قدمًا من قبل القيادة السعودية، في مدّ الجسور؛ إذ بعد التفاهم التاريخي مع إيران، والانفتاح الاقتصادي والسّياسي والفني، وبعد التغيّرات الجوهرية في بنية المجتمع من خلال دعم المرأة في المجالات كلّها – علمًا أن هذا الحراك غير مسبوق - يأتي مدّ الحوار الثقافي وتعزيزه، مع شاعر كان التلفظ باسمه في بعض الأوساط السعودية، يستدعي "التعوّذ من الشّيطان"، وذكر كلمة "حداثة" يعدّ تهديدًا للعقيدة والإيمان، بل جعلت بعض الآراء المحافظة، الحداثة معادلة "للكفر".
قد يقول البعض: إن هذا الكلام مبالغ فيه، والتركيز عليه الآن، لزوم ما يلزم؛ فماذا تعني زيارة شاعر إلى المملكة؟ وما أهمية ذلك، في ظل مشروع التحديث الكبير والخطط المستقبلية الرائدة؟
تكمن أهمية هذه الزيارة في رمزيتها العميقة، وفي دلالاتها على غير مستوى؛ فأدونيس الذي يعدّه البعض "أمير الحداثة الشّعرية العربية"، وصاحب طروحات فكرية وثقافية وحضارية أعادت طرح الموروث العربي إلى بساط البحث بدءًا من ستينيات القرن العشرين، أصبح – شئنا أم أبينا - رمزًا ثقافيًّا حداثيًا بامتياز، بل يمكن القول بكل ثقة: جعله كل هذا، مدرسة فكرية مغايرة، ومحطة أساسية من محطات الحراك الثقافي والحضاري العربي، بدءًا من عصر النهضة حتى يومنا هذا. إذ بعد انطلاق حركة الانبعاث التي شهدها العالم العربي بتأثير حملة القائد الفرنسي نابليون بونابرت على مصر في أواخر القرن الثامن عشر، وجهود الوالي المصري محمد علي باشا في عملية التحديث العسكري والعلمي في بدايات القرن التاسع عشر، كان لا بدّ من قبول "تقدم" الآخر – الغربي علينا على مضض، فحملة نابليون الذي غلّف رغبته بالسيطرة على العالم العربي بمكوّنات حضارية وثقافية وفكرية، كان لها أن تتبلور لاحقًا ضمن الفاعليات الحضارية التي بدأت تبرز عربيًّا، ومنها نشاط لافت للانتباه للصحف، والمسارح، والمدارس الحديثة، والمكتبات العامة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ونشوء الأحزاب السياسية... إلخ.
إلا أن هذا الانبعاث الحضاري، بدا مستلبًا في أوجه كثيرة منه، حيث ارتمى كثير من المثقفين والمفكرين العرب في أحضان الغرب كليًّا، وبات الغرب في المجتمعات العربية، يعدّ أيقونة التقدم والمعاصرة، وبالتالي كانت النظرة إلى التراث العربي، تتصدّع بشكل دراماتيكي، وبات يشوبها عند الكثيرين، نظرة اتهام، لزعمهم أن سبب تخلفنا وانحطاطنا، يكمن في هذا "التراث". وبدا واضحًا عند هؤلاء، أن مرحلة الانقطاع عن الفعل الحضاري في ما يسمّى "عصر الانحطاط"، قد فعلت فعلها في عرقلة سياق مفهوم متقدم للثقافة العربية، إذ كان البارز في ذاك العصر، هو التركيز على العمل الموسوعي، بهدف حفظ الذاكرة من الضياع، وليس العمل الإبداعي الجدّي والجديد المنبثق من الذات العربية الخالصة. وهذا ما أدى لاحقًا، إلى أن يُربط مفهوم الشعر العربي الحديث مثلاً، بسياقات أجنبية، تلحظ فاعلية التجدد والعصر في المقاربة الشعرية؛ فمفهوم الشعر العربي بدءًا من أواخر القرن التاسع عشر إلى ما قبل منتصف القرن العشرين، بدا أنه لم يكن معنيًّا بإعادة تفعيل المسار الثقافي المتقدم الذي توقف بعد انهيار الدولة العباسية في العام 1258م، فخضع لغير مؤثر خارجي، ما أدى إلى "بعثرة" الجهود التراثية التي قاربت مفهوم الثقافة عمومًا والقصيدة خصوصًا، وخسر العرب إمكانية استنباط مفهوم عربيّ حديث يرتكز على هذه المروحة الواسعة من التنويعات التي قاربت الشعر قبل ما يسمّى "عصر الانحطاط".
جاء أدونيس عبر مؤلفاته، ليعيد الأمل إلى هذه الإمكانية المتكئة على إعادة النظر إلى "التراث"، ودفع ما فيه من طروحات ورؤى حداثية إلى واجهة المشهد الحضاري، عبر طرح إمكانية "النهوض العربي الصافي" – إذا صحّ التعبير – بناء على هذه الكنوز في تراثنا. لكن، الإشكالية التي واجهها أدونيس وغيره من رواد الحداثة العربية، هي في كيفية مدّ جسر المصالحة بين الذات المشدودة إلى أفكار بالية، و"جسدها" المشدود إلى التمتع بكل معطيات الغرب الحضارية؟ وقد عبر أدونيس في حوار له في العام 1979 عن ذلك، بالقول: "لا يمكن رفض الماضي ككلّ. هذا عبث. حين أقول: إنّني أرفض الماضي، أعني، وهذا ما أريد أن يكون واضحًا، إنّني أرفض الجوانب التي تعجز عن الحضور، وعن مواكبة المستقبل... وهذا الرفض يعني أنّ العربيّ الذي كاد أن يسيطر على العالم في القديم، يستطيع أن يسيطر اليوم بشكل آخر، لكنّه لن يسيطر بالخضوع للماضي، أو لأشكاله، بل بانطلاقه من اللهب الذي انطلق منه أسلافه".
هنا تكمن رمزية استقبال المملكة لأدونيس؛ فالقيادة السّعودية تدرك في العمق، أنه لا يمكن السير قدمًا في عميلة التحديث والنجاح في ذلك، من دون إجراء مصالحة حقيقة وصادقة للذات السعودية العربية مع ماضيها وحاضرها، أو بمعنى أدبي آخر: المصالحة المتوازنة بين عقلها وقلبها، ومدّ جسر متين نحو المستقبل من دون أن يعني ذلك، بأي حال من الأحوال، التخلي عن عناصر القوة الحضارية المتمثلة في الجذور التي للأسف، لم يكن ينظر إليها كقوة دفع إلى الأمام، بل قوة دفع إلى الوراء.

***


* شاعر وأستاذ جامعي لبناني 


الحداثة (Al Hadatha) – ع. 228 - س. 30 - صيف Summer 2023

ISSN: 2790-1785


ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة