♦ رفيق صالح أبو غوش *
- نبذة عن البحث
تتطلّع الدّراسة إلى محاولة الكشف عن مقاربة الشاعر والناقد السوري – اللبناني أدونيس** للنّصّ الشّعري العربيّ، وربطها بالطروحات النّقديّة المتعلّقة بنظريّة التّلقّي، ومفهوم القارئ النّموذجي كما عند "ريفاتير" (Riffaterre)***، والقارئ الضمني كما عند "إيزر" (Ezer)****، ومفهوم الأفق عند "غادمير" (Gadmier)*****. إذ ظهر أن المتلقّي القديم وفاق هذه النّظريّة، قدّم صورةً مشوّهة عن التّراث، على الرغم من محاولته إظهار بهاء الصورة المرتجاة، وتقديمها إلى القارئ الّذي حاول أن يجدَ حوارًا ضمنيًّا معه يمدّهُ بالمتعة والمعرفة.
اعتمد "ريفاتير" قارئًا يكون بمثابة مصدر الاستقراء، ينطلق من الأحكام التّي يبديها هذا القارئ. فالظاهرة الأدبيّة ليست النّصّ وحده، لكنّها القارئ أيضًا، وردود فعله، وانفعاله بالنّصّ بوصفه صاحب سلطة، وقدرة على الفهم والتّأويل، ووعي مسؤولياّته. وليس هناك من نصّ ما لقارئ ما، إنّما النّصّ مفتوحٌ على زوايا القارئ المتعدّدة، ومراوغٌ يتطلّب عدّةً نقديّةً لفهمه من دون مواربة، وبقدرٍ كبيرٍ من الأخلاقيّة المهنيّة. وعندها، فالقارئ "ليس حرًّا أن يقول ما يريدهُ في النّصوص، لأن الحريّة المطلقة تعطّل مبدأ المسؤوليّة أمام النّصوص، وتفتح الباب أمام فوضى التّفسير والتّأويل... فليس العيب ألاّ نفهم النّصوص، إنّـــــما العيب أن نُسيء فهمها"(1).
يقابله في ذلك "إيزر" الذي يرى أن القارئ الضّمنيّ موجود قبل بناء المعنى الضمنيّ في النّص، وعليه فعلى الكاتب أن يجسّدَ دوره ودور القارئ بوصفه موجودًا قبل بناء النّصّ وبعده.
أمّا "غادمير" فقد رفض الأحكام المُسبقة تّجاه النّصّ، إلى رفض المعرفة المُكتسبة على مدى حياة الفرد. فعمليّة الفهم تبدأ من بوّابة الذات، وأيّ تأويل للنّصّ لا بدّ من أن ينبني على" انصهار الآفاق"، أي بين آفاق المؤوِّل الحاضر، وآفاق الماضي للنّصّ. وبهذا الانصهار يتحقّق الفهم.
وكي نعرّف بـ"أدونيس" قرائيًّا ونقديًّا، علينا أن نمرّ بالإشكاليات، والانفعالات، والآراء المعارضة والمؤيّدة على حدّ سواء. فالخطاب الأدونيسي خطابٌ مركّب وإشكالي وحداثوي، وهو في حراكٍ دائم يكشف عن قلق السؤال وهاجس المعرفة، ويستطيع أن يجدّد بنيته باستمرار. ولا يمكن تفكيك هذه البنية ودرسها بمعزلٍ عن سياقها العام وبناها المتواشجة.
وينصّبُّ جهدهُ النّقديّ على تأسيس مشروعٍ فكريّ متكامل يرتكز إلى رؤية حضاريّة، يزاوج فيها ما بين التّراث العربي، والتّراث الإنساني الشّامل، والمنجز الإبداعي العالمي من غير أن يتنكّرَ لهذا التّراث أو ينقادَ للغرب، أو يكون نسخةً عن حداثةٍ أخرى. وهو في كلّ ذلك يرتكز إلى الأصل الثابت، إذ كان يتمثّل دائمًا الآية الكريمة: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ (الرحمن: 29)، لأن جذور الحداثة الشّعريّة بخاصّة، والحداثة الكتابيّة بعامّة كامنة في النّصّ القرآني"(2).
أمّا النّقد الشّفاهي الّذي كان يمارسهُ العرب، فليس إلا مرحلةً تأسيسيّة لهذا النّقد الذي يحمل حسًّا جنينيًّا حين كان يُقالُ للشاعر: أحسنت، كما كان يفعل "النّابغة الذبياني" في مطارحات سوق عكاظ، والذي شكّل هذا حجر الأساس في عمارة النّقد العربي.
فما هي الإشكاليّات التّي يطرحها البحث:1- هل استطاع "أدونيس" أن يبلورَ اتّجاهًا نقديًّا حداثيًّا من خلال كتاب "الشّعريّة العربيّة"؟ وأيّة حداثةٍ يسوقها من خلال تفكيك البُنى اللغويّة، وزحزحة المفاهيم الموروثة؟
2- هل استطاع "أدونيس" تصويب النّظرة إلى مفهوم الحداثة الشّعريّة، وإعادة الاعتبار إلى الشّعر الصّوفيّ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق