Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

الافتتاحية : في دور المثقف اللبناني

د. محمد أبو علي - مجلة الحداثة

 محمد توفيق أبو علي *


كثيرون "يبشّرون" اللّبنانيّين، بأنّهم مقدمون على حرب داخليّة، وعلى نزاعات لا تبقي ولا تذر؛ وعندي أنّ هذه المرحلة ينبغي لها أن تكون مرحلة التّراحم الوطنيّ، والتّكافل الاجتماعيّ، والتّعاضد السّياسيّ من الطبقة السّياسيّة والحَراك المدنيّ؛ وهذا يتطلّب من المثّقفين أن يؤدّوا دورهم في نسق إنقاذيّ، يبتعد من الولاء الحزبيّ الضّيّق أو الطّائفيّ المكبّل أو المذهبيّ المحدود، ومن أيّ مصلحة فرديّة لا تتناغم مع مصلحة الوطن.
وإنّ نظرةً موضوعيّةً، لواقعنا اللّبنانيّ، تبيّن بجلاء مدى حاجة هذا الواقع إلى مثقّفين رساليّين، منتمين إلى فكرٍ مستنير، يخرجنا من كهوف العَتَمَة إلى فضاء العقل المتوهّج، بروحٍ عصيّة على التقوقع والانغلاق والتعصّب المَقيت.وأرى أنّ هروبنا من معاينة هذا الواقع معاينةً واضحة، أسهم - على نحوٍ ما - في تردّي أحوالنا؛ فبتنا قبائل متناحرة، نتفاخر فيما بيننا، بقدرة أحدنا على طمس الآخر.
والطّمس قد يكون تعصّبًا يجسّده رهطٌ من أهل الضّلالة، باسم الدّين؛ أو باسم الفكر، يجسّده فريق لا يتقبّل الآخر، إلّا إذا كان تجلّيًا من تجلّيات الأنا؛ وهذا الطّمس يكاد يرادف القتل المعنويّ؛ لأنّ انتشاره يقوم على عُدّة قوامها الكلمة والوسائط التّواصليّة؛ ويكون الوطن برمّته هدفًا له.
تأسيسًا على ما سبق ذكره، أرى أنّ من أهمّ المُهِمّات التي تقع على عاتق المثقّف الرّساليّ، أن ينطلق من مفهوم "وحدة لبنان" بكونه من "المقدّس" الذي لا يجوز لأحدٍ مسّه بسوء؛ وهذا المفهوم يجب أن يستند إلى مصطلحات "الكرامـة والعدل والحرّيّة" فلا يتوحّد الوطن على الخنوع والظّلم والتّبعيّة.
والقراءة الموضوعيّة نفسها، تبيّن بجلاء مدى التعقيدات في بنية هذا الواقع؛ وهي تعقيدات تتبدّى في أبعاد مناطقيّة، أو طائفيّة، أو مذهبيّة، أو طبقيّة، أو معرفيّة.
هذه التعقيدات تطرح إشكاليّة التّعاطي معها، وتطرح دور المثقّف الرّسالي الذي ينبغي له أن يتّخذ من الثّقافة رسالة، تهدف إلى رأب الصّدع، ولمّ الشّمل، وجمع الشّتات، وفق رؤية وطنيّة علميّة، تُحسن المعاينة، وتجيد المعالجة.
وعندي أنّ أولى السّجايا التي يجدر بالمثقّف أن يتّصف بها، هي التّحلي بالجرأة الصّادقة التي لا تخدش المشاعر، ولا تنفّر القلوب، والتي تفضي إلى إشعار المتلقّي بأنّه صديقٌ حميم، وليس"زَبونًا" لتسويق أفكار ما؛ في نسق يبتعد من نمطيّة استعلاءٍ يمارسها رهطٌ من المثقّفين.
ومن أصعب العوائق التي على المثقّف السّعي إلى إزالتها، تلك النّظرة التبخيسيّة السّلعيّة للكلمة ودورها؛ فـ"في البدء كان الكلمة"، وعلينا أن نستلهم من هذا البعد اللّاهوتي بعدًا أدبيًّا فكريًّا، تصبح فيه الكلمة بَدْءَ وطنٍ جديد.
ومن القضايا التي تستدعي من المثقّف اللّبنانيّ الحكمة البالغة، صلته بالفضاء الإقليميّ، فلا يكون رجْعَ صدًى للخلافات التي تعصف في هذا الفضاء.
ومن نافلة القول، أنّ من العوامل التي تسهم في نجاح المثقّف الرّساليّ في مهمّته، حُسْنَ التوأمة الخلّاقة بين التراث والمعاصرة، في نسق حداثيّ، قائم على الإفادة من منجزات الحضارة الإنسانيّة، في أبعادها كافّة.
ولعلّ الدور النّموذجي للمثقّف الرساليّ في هذه المرحلة، يتبدّى لي أنّه يتوزّع –ببساطة - في ثلاثة اتّجاهات:
- الأول في الانخراط في الشأن العام، بمشاركات من خلال مؤتمرات أو ندوات عبر المنابر الثّقافية، الممتدّة على مساحة لبنان؛
- والثاني من خلال ندوات في السّاحات تهدف إلى توجيه البوصلة نحو الأهداف الوطنيّة الجامعة؛
- أمّا الدّور الثّالث، وهو الأهم، فهو نحو معالجة البيئة الضّيّقة لكلّ مثقّف من خلال نشاط يهدف الى التوعية، وينطلق من خصوصية هذه البيئة وتفرّدها، في سياق لا يتناقض مع الخطاب العام الجامع؛ من خلال توظيف الأندية والجمعيّات المحليّة، في حوار يصل هـــــــذه البيئة بسواها من البيئات الأخرى في رؤية تفاعليّة تقوم على المكاشفة؛ ليكون المثقّف داعية للمواطَنة الصّادقة التي تخلع عنها زيف الأقنعة، كلّ الأقنعة.
وبهذا تعود نضارة هذا الوطن؛ ليكون منارة إبداع، ومرآة مخصبة للقرائح المنجبة، ودليلًا نحو هيكل الحرف المضيء الجميل، المعبّر عن هواجس المتعَبين، وأحلام الطّامحين، وطمأنينة السّاعين إلى دولة العدل والحقّ والخير والجمال؛ وبهذا تكون كلّ الطّاقات الإبداعيّة والفكريّة مؤازِرة الوطن في هذه المرحلة الدّقيقة بالكلمة الصّادقة، وبالرّأي الحرّ، ومتابِعة معاناته متابعةً نقديّة تَصْدُقُه، ولا تصدّق الغثّ من العصبيّات المنتنة.
حمى اللّه لبنان!

***

* أمين عام اتّحاد الكتّاب اللبنانيّين وعميد كلّيّة الآداب في الجامعة اللّبنانيّة سابقًا.

الحداثة - صيف 2020 - عدد 209/ 210 - al hadatha journal

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (975) أبحاث في الأدب واللغة (349) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (179) أبحاث في الفنون (167) أبحاث في التاريخ (123) أبحاث في التربية والتعليم (108) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (77) أبحاث في علم النفس (61) مراجعات (59) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) افتتاحية الأعداد (36) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (34) شتاء 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) أبحاث في الإعلام (31) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (23) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) نوافذ (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) أبحاث في القانون (19) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) أبحاث في العلوم والصحة (15) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة