♦ سلام عبد الكريم شمس الدين *
نبذة عن البحث:
لم تكن هجرة اللبنانيين خيارًا ذاتيًّا أو قرارًا طوعيًا لدى الكثير منهم، ولا شك في أن الأسباب التي دفعت بهم إلى الهجرة متشابهة بين الجميع تقريبًا، وهي تعود إلى الأسباب الأمنية والسياسية والاقتصادية التي مرَّ بها لبنان، وضغطت بثقلها على المواطن اللبناني الذي قرّر المغادرة رغمًا عنه. هكذا كانت بدايات الهجرة هربًا من الضيق الاقتصادي حينًا وهربا من التجنيد الإجباري أحيانًا أخرى، ومع ما رافق ذلك من دعوات إلى الهجرة من قبل منظرين أمثال المفكّر ميشال شيحا (1891 - 1954) والمؤرخ فيليب حتّي (1886 – 1978) وغيرهما.
لقد أفرزت الهجرة في مراحلها المتتالية تحدّيات اجتماعية وضغوطات نفسيّة على المهاجرين، بفعل انتقالهم من مجتمع إلى آخر، يختلف ثقافيًّا عن مجتمعهم الأم، ما يجعلهم يقومون بتغيير أو تعديل في ثقافتهم الأصلية بفعل احتكاكهم وتفاعلهم بثقافات ومجتمعات أخرى، وما يلحق إزاء ذلك من تعديل أو تغيير في هويتهم الذاتية والاجتماعية التي هي محصلة تفاعل وتداخل العديد من العوامل الذاتية- الداخلية للفرد، كذلك الخارجية التي هي نتاج المجال النفس- اجتماعي الذي ينخرط فيه.
فالعوامل الداخلية، لا تشمل الحياة الانفعالية للفرد ومشاعره الإيجابية أو السلبية فحسب، بل تشمل كل ما يجول في داخله من أفكار واتجاهات فكرية، ومعتقدات وقناعات إيديولوجية يؤمن بها أيضًا. أما العوامل الخارجية، فهي تشمل كل المؤثرات الممكن أن يتعرض لها الفرد لوجوده في مجتمع معين، له ثقافة معينة، بما تشمله من نسق قيم وسلّم معايير يتجسدان من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ طفولته وحتى اللحظة التي يستخدم فيها هذه المفاهيم.
إن مواجهة الفرد للاختلاف الثقافي، في بلاد المهجر، تفرض عليه إعادة هيكلة لبنيته النفسية، نتيجة تعرضه لظروف حياة مغايرة في المجتمع الجديد، وعليه أن يحسن التفاعل معها ليشعر بالاستقرار والأمن النفسي، وإلا وقع فريسة الاضطرابات النفسية التي تقود بلا شك إلى زعزعة الهوية وشعور الفرد بالاغتراب الاجتماعي. لذا ننظر إلى موضوع الأمن النفسي والاجتماعي الذي يحققه المهاجر في البلد الجديد بحسبانه أحد أهم العوامل التي تساهم في بناء الذات وتنميتها، والتي نرسم من خلالها واقع الأفراد المهاجرين والخبرات المتتالية من التشابه والاختلاف التي يمرون بها أثناء تفاعلهم الاجتماعي.
- أهمية الدراسة
أولًا: تشكل هذه الدراسة أحد اهتمامات علم النفس الاجتماعي، الذي يدرس سلوك الفرد في مجال نفس- اجتماعي من جهة، ويتعمق في دراسة العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع في بلاد الهجرة من جهة أخرى، من خلال تفاعل الفرد مع أنماط ثقافية مختلفة، وكيفية تأثير تلك الأنماط في سلوكه وشخصيته وصحته النفسية وعلاقاته الاجتماعية، وبالتالي على أمنه النفسي-الاجتماعي.
ثانيا: إن متغير الأمن النفسي هو مطلب لكل إنسان، وما قد يحدثه من تأثيرات في البنية النفسية والمعرفية والانفعالية والاجتماعية في حالة عدم إشباعه.
ثالثا: الإفادة من نتائج الدراسة في مجال الإرشاد النفسي والاجتماعي.
- أهداف الدراسة
تكمن أهداف هذه الدراسة في التعرف إلى تداعيات الهجرة على الأمن النفسي الاجتماعي لدى المهاجرين اللبنانيين، ومدى انعكاس تلك التداعيات على صحتهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية.