♦ علي عارف نسر *
- نبذة عن البحث:
تشبه الرواية بحركتها عجلة الحياة، إذ تشكّل بعالمها وعناصرها التي يشيدها الكاتب، معادلًا موضوعيًّا للحياة القائمة، لكنّ فرقًا مهمًّا يميّز بين العالمين، وهو أن الحياة روايةٌ لا يرويها أحدٌ، وليست معروفة النهايات، في حين أنّ الرواية الفنية يدير عالمَها وحركاتِها راوٍ، وقد تتحدّد نهاياتها عند الانتهاء من الكتابة والقراءة.
تشكّل رواية بوركيني للكاتبة والصحافية اللبنانية مايا الحاج، مرجلًا يغلي بالعديد من الأفكار والآراء الحياتية التي تدور في خلد كل واحد منا، لكنّنا قد نتجرّأ على طرحها، وقد نداري الظروف والموانع فنكبتها ونتناساها. ولقد استطاعت الروائية أن تعرض مشكلة تقوم على الصراع، والصراع كما هو معروف سمة من سمات الحياة والتاريخ، إذ لا يمكن للوجود أن يكون أو يستمر من دون صراع خارجي أو داخلي. لكن الصراع في هذه الرواية هو نفسيّ، يدخل الدين والاجتماع والسلوك والثقافة... في تغذيته. إنه النزاع بين الجسد وما يتطلبه، والحجاب، كشعيرة تمثّل الدين، وما يرفضه ويقاومه. فإذا بنا أمام صراع تتفرّع منه صراعات أخرى وأبرزها صراع "الهو" و"الأنا الأعلى"، حيث "الأنا" محوره وساحته. وقد عملت الكاتبة على جعل النهاية مفتوحة كي تؤكّد مدى الارتباط والتقاطع بين عملها الفني والحياة التي تستقي منها موضوعاتها.
هكذا تحاول هذه الدراسة، أن تكشف الأسباب والدوافع التي وقفت وراء رزوحها تحت أزمات نفسية وحالات عصابية وذهانية، تعود الى منابع طفولية وأسرية، وإلى حب التمرد في طبيعة الشخصية. لذا، ركّزت الدراسة على البحث والسبر في المكبوتات التي تحاول البطلة أن تحرّك عقربها بين حين وآخر، فتترجمها عبر بعض تصرفاتها مرّة، وعبر ابداعها الفني ورسوماتها مرات أخرى.
هذا ما دفعنا إلى رصد الأسباب والنتائج، فتبيّن أن كلّ شيء يقوم على صراعات نفسية، كادت أن تنتهي بانحراف على الصعيد الجنسي، وعبر عدة علاقات تظهر ميلا نحو المثلية كعلاقاتها بخطيبها اللاسوية وبغيرها من النساء الموجودات واقعيا أو عبر أجسادهن في الرسوم. هذا ما يطرح اشكالية مهمة حاولنا معالجتها ورصد معالمها، وهي تتمحور حول الظروف التي أدت الى ما آلت اليه الشخصية التي لا اسم لها في النص. فهل كانت الشخصية سوية في اعلانها عن رغباتها، لدرجة تصل إلى حدود التفكير بالعمليات المثلية جنسيًا؟ وهل أسهمت العلاقات الأسرية والاجتماعية في خلق هذه الأزمات والحالات المرضية؟
هذا الأمر استدعى أن نعتمد منهج التحليل النفسي للوصول الى الحقائق المرجوة، لأنّ طبيعة الرواية تستوعب مثل هذا المنهج كي لا يُسقط عليها منهج غير مناسب اسقاطًا. لكن التحليل قد تركّز على شخصية النص بمعزل عن صاحبته، وإن قد تقاطع بعض الأحداث مع طبيعة حياة الكاتبة أحيانًا. لكن الهدف هو استنطاق البطلة من الداخل ورصد شبكة علاقاتها بشبكة عناصر النص، ما يحيلنا الى الاستناد على بعض روافد الدراسة البنيوية الوصفية الداخلية.
اعتمدت الدراسة على جملة من المصادر والمراجع أسهمت في انارة النص، والتوصل الى نتائج معينة نظرا الى علاقتها المباشرة بطبيعة المنهج أولا، وطبيعة النص ثانيًا.
كل هذا حاولت الدراسة رصده والاجابة عنه قدر المستطاع، فإذا وصلنا الى الحقيقة المرجوّة فنكون مما أسهم في اضاءة النص، وإذا لم نصل، فهي محاولة متواضعة تفتح أفقًا لدراسة رواية تستحق الدراسة من مختلف الجوانب لما تحويه من قضايا وأمور حياتية مهمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق